Tuesday, July 22, 2008

يوسف الصائغ

يوسف الصائغ

أحمد الصالح

الشاعر يوسف الصائغ ( 1933- الموصل \ 2005- دمشق) أحد أبرز الشعراء العراقيين و العرب المعاصرين بما قدمه من تنوع في شتى مجالات الإبداع الأدبي و الفني، فبعد إن رسخ صوته الشعري في المشهد الشعري العربي إنطلاقا من تخوم جيل الرواد ، وجد أن طاقته الإبداعية لا يستوعبها الشعر وحده، فجرب معظم الفنون القولية – المسرحية، والروائية، والنقد والمقالة – وأجاد فيها كما جرب الفن التشكيلي وأجاد فيه بشهادة المختصين، وخلق له هذا التنوع شخصية إبداعية متفردة . ولقد تعرضت حياة الشاعر الى الكثير من المتاعب من بينها ، موت زوجته الإولى "جولي" في شمال العراق بعد تعرضهما لحادث مروري ، فضلاً عن اشكالياته مع الحزب الشيوعي العراقي.

ما هذا زمني
ما هذا زمن الشعر...ولا هذا زمنيهذا زمن مسدوديخرج منه الدودصار الشعراء قروداً فيهوالعشاق يهودباركني بيديك الحانيتين وإمنحني غفرانك يا وطني.(1)
فكرة الطهارة والنجاسة، الخطيئة والغفران، الجلاد والضحية، من أهم محركات كتابات يوسف، ولعل الثقافة المسيحية التي تربى عليها صغيراً بقيت تلازم فنه ، فيهوذا ومريم المجدلية والصلب والقرابين من بين رموزه الخفية والظاهرة التي لاتحتاج الى كبير تأمل كي يدرك القارئ مغزاها، فبساطة "يوسف" ورومانسيته الآسرة تضفي على كل البداهات طزاجة الإبتكار.(2)
جزدان خديجه
منذ كنت صغيراً كان الناس يقولون لمن يتوخى في سعيه أي نتيجة فتش في جزدان (خديجه) هذا جزدان (خديجه) ما مثله جزدان في أي زمان... و مكان وتذكّرأن خديجه ، أيضا ،ليست أي إمرأة ، بين النسوانيمكن أن يقصدها أيٌ كانْ . . أبداً . . . إن خديجه أرملة عوراء . . . لها في رأسها قرنان . . . تنتقل راكبة فوق جمل . . . لا يسترعورتها إلا جلد حملْ . . . وإنطلقت ،من مطلع هذا القرن ،تفتش عن سر ولادتها ،دون أمل حتى يئست فانكفأت تخفي خيبتها في جزدان ما مثله جزدانفي أي زمان ومكان ولهذا صار الناس يقولون ،لمن يبحث عن أي نتيجة . . .فتش في جزدان خديجه . . .الويل لكم . . . ويل لي . . . ماذا لو أن خديجه)
ضيّعت الجزدان ؟ ؟ ؟)(3)
لقد كانت إطروحته التي تقدم بها عن الشعر الحر في العراق الى جامعة بغداد ، و نال عنها درجة الماجستير في العام 1976 منجزاً أكاديمياً متميزاً في حقل دراسة الشعر المعاصر في العراق .
يقول يوسف: ( رغم أن دراستي لم تشغلني بدرجة كافية عن ولعي وإهتماماتي لكنها كانت عوناً لي وأنا في تجربتي الخاصة، أن أتعرف إلى القيمة الحقيقية لعشرات من الشعراء العراقيين (المشهورين) آنذاك، فإذا بهم شبه مجردين عن بهرج (الإشاعات) التي جعلتهم أضخم من حجومهم، وأقل شأنا مما أنجزوه.. عدا السياب.. لقد كبرت في عيني (إنجازات السياب) وإقترنت بالإنجازات الحقيقية للشعراء الذين سبقوه اللبنانيين بوجه خاص … ولقد أتاح لي ذلك أن أجرب الإفادة من تلك الإنجازات ولعل أبرز ما أفدته، هو الإنتقال من وزن لآخر.. تبعاً لحركة المشاعر والمواقف … واحسبني نجحت في ذلك إلى حد بعيد)(4)
و للصائغ رأي واضح في قصيدة النثر و تجنيسها أدبياً : ( مصطلح "قصيدة النثر" مصطلح مظلل … ثمة شعر … وثمة نثر.. والفرق بينهما واضح. رغم أنه قد يبدو أحيانا غامضاً بسبب ما وصفه النقاد في تحليلاتهم من أضاليل، وبقدر تعلق الأمر بي، أرى من المفيد أن أشير إلى أنني في مطلع قراءاتي الشعرية، كنت اكثر إهتماماً بما ينشر من "قصائد" من نوع ما يسمى الآن " قصائد النثر" و كان تعجبني حقاً، وتثير في مزاجي ضمن الإحساس بالشعر، تلك القصائد المترجمة التي تنشرها مجلة الرسالة … ومن بين ذاك" الإلياذة – حروب طروادة " وعن قصائد لامارتين التي ترجمها الزيات.. إضافة إلى قصائد أخرى لكتاب عرب احسب إن أحدهم " وكان قريبا إلى نفسي " اسمه – على ما أذكر – حسين الهنداوي أو ما شابه ذلك.. ثم اكتشفت " الماغوط "، وفي مرحلة متقدمة.. وتحت تأثير مجموع هذه النماذج. جربت كتابة عدد من القصائد، أهمها قصيدة طويلة تحت عنوان" شمة أفيون" بعثت بها إلى مجلة شعر عام 57 ونشرتها المجلة عام 61 أو 62.. وهي منشورة في مجموعة "قصائد يوسف الصائغ". أما ما ينشر الآن من نماذج ما يسمى بـ " قصيدة النثر " – بتأثير نماذج أجنبية " مترجمة أيضا ".. فهو نوع من" التغريب " لا أحسب أن له أفقاً … رغم ما تتضمنه هذه المحاولات من مغامرات – قد تكون ذات جدوى من اكتشاف علاقات " لغوية " أو" بلاغية " تترك لدى القارئ نوعا من الإحساس" بالصدق "… دون طائل!)(5)
أما عن علاقة الفنون الإبداعية ببعضها فيوجز قناعتاته:
(كنت مقتنعا، بأن الحدود بين الفنون – ولنقل بين مجالات الإبداع – هي في الناتج الأخير حدود وهمية، نستطيع أن نتحسسها حين نشاء أو نتجاهلها حين نشاء. إن تجربة المسرح مجال عملي للبرهنة على ذلك.. فكيف بتجربة السينما.. والفيديو؟.. إن عصرنا يعمل جاهداً، مستعينا بالمذهل من التقنيات على هدم الحواجز، وإلغاء الأشكال والعناوين المستقيمة ومقترحاً صيغا جديدة.. لابد للشعر، أن هو لم يفد منها، أن يقود نفسه إلى العزلة.. لامناص للشاعر في هذا العصر مثلا، من إن يقتنع، بأن الشعر، ليس مجرد " كلام جميل "… بل هو " فعالية " أو " المنظر" ACTION" ، كما في الفن السينمائي.. حيث يسود مفهوم " أو" المشهد " ويحكم علاقات كل المفردات الأخرى من حوار وشخصيات … وإضاءة … وبالتالي لابد من " نمو ". ليس هذا حسب : إن تقنيات الإبداع المعاصرة، تقترح على المبدع ضمن ذلك كله مفاهيم ومعايير جديدة أو " بلاغية " متطورة – إذا صح التعبير.. تقوم غالباً على الإختزال والتكثيف والحذف.. الإقتصاد في الحركة والصوت والضوء، وهكذا، بحيث تأتي في ساعة يمكن النظر فيها إلى قصيدة من نوع " خمسة أشخاص في الباص …" باعتبارها نتاجاً إبداعياً في مجال الشعر، يختلف " بلاغيا " عن كل ما سبقه من نماذج وكذلك نموذج " شهداء عشرة / نزلوا يوم إجازتهم للبصرة.." حتى لكأنها لشاعر غير ذاك الذي كتب " اعترافات مالك بن الريب ".(6)
يتحدث يوسف عن تجربته في الكتابة المسرحية :
(حين جربت الكتابة المسرحية في مرحلة متأخرة، كان واضحاً في ذهني أنني لن أنجح في تحقيق الإنسجام مع خبرتي ومزاجي لإنجاز نص، يكفيني آلا حين أستعين بالقدر المناسب من طاقة الشعر، وحساسية، من أجل أن أوفق في " شحن " المشاهد والشخصيات، وسائر مفردات الفعل المسرحي بالقدر المناسب من التأثير والحيوية. وهذا ما أحسبني نجحت فيه لدى كتابتي ل " الباب" ثم ما أعقبها من مسرحيات. صحيح.. لقد خطر لي مرات عديدة، أن الشعر الحر أي " شعر التفعيلة " قد يصلح لخوض مغامرة مسرحية وكان يغريني، أن أجرب تجربتي، إعتماداً على ما بدا لي أحياناً إنني حققته في عدد من القصائد الطويلة. التي تنطوي على بعض عناصر العمل المسرحي، من نوع قصيدة " خواطر بطل عادي جدا " و " بين جلدي و قلبي ".. لولا إنني بقيت أتحفظ على ما يمكن أن تخلقه موسيقى الشعر.. من مناخ، يجور على التنويع والعفوية.. ويضع الكاتب في موضع " الإلتزام " بما لا داعي لأن يلتزم به.)
و يستمر في القول: ( المسرح اقرب الفنون إلى نفسي.. إن جذوره تمتد في تاريخي إلى طفولتي وبالذات إلى طقوس " العبادة " التي لم البث أن اكتشفت مدى قربها من جوهر الإبداع المسرحي عبر مفردات عديدة " المذبح = المسرح "، " الكاهن والشماسة = بطل المسرحية والممثلون " ثم الإضاءة، والموسيقى، والديكور، والملابس... الخ. إضافة إلى ذلك الكورس والجمهور.. حتى الستارة. ولقد زاد من إحساسي بهذه القرابة، إنني فتحت عيني على نموذج الفن المسرحي، أنا على عتبة مراهقتي فشغفت، بما يتضمنه الحوار من " شعر ".. والديكور من الفنون التشكيلية..والموسيقة.. لقد كان ذلك اقرب إلى السحر.. وكثيرا آسرا من طقوس العبادة بسبب " التكرار " وهكذا، أستطيع القول بأنني رحت أقترب من الفن المسرحي، عبر ممارسة مفرداته، إبتداء بالرسم، ثم الشعر، ثم القصة ثم المسرحية " مكتوبة " ثم المسرحية وهي تتجسد على المسرح. )(7)
قراءة في مسرحية الباب للصائغ
يضع يوسف الصائغ قارئ مسرحيته " الباب " في جو صاخب يضج بالعنف و الأثارة و الدهشة ، ثم يلقي به مع أبطاله في جبّ عميق مظلم ممتلئ بالجثث النتنة .
إنه يزعزع اليقين الماثل في القناعات باسئلة صعبة يثيرها في جميع مشاهد المسرحية ، أسئلة من النوع الذي ان واجهتنا نتحاشاها خشية الإجابة عليها حين تخوننا الشجاعة .
و لن نتلمس طريق الإجابة و تتوافر الجرأة فينا فقط عندما نقع في " الشرك " و ندرك أن حتفنا قريب جداً من حيواتناً .
ففي مواجهة الموت القريب فقط نتلمس حقيقة وجودنا و ندرك أي معنى لإنسانيتنا ، و ندرك أيضاً أية تفاهة في صراخنا السقيم و أية سفاهة في مكابرتنا الخاوية .
إن موتى " يوسف الصائغ " جاءوا الى حتفهم مختارين لا مضطرين ، أرتضوا الموت مع أقرانهم و سعوا الى نهاياتهم باسم الحب، مستجيبين لقانون مدينتهم صاغرين له :
( محتقرين الخوف من الموت ، منتصرين على الشك و الخور و التردد .. فأذا استدرج الغياب أحدهم لحق به صاحبه .. و الويل لمن يحنث .. و يضعف .. إن الحياة لتلعنه و يزدريه موته و سيتحول بالعقاب الصارم الى بهيمة .. و يصير دوداً نتناً .. و تراباً تدوسه ألأقدام .)
و حين يحنث " هو " بطل المسرحية ، بالعهد الذي قطعه على نفسه و يتمرد على قانون المدينة و يرفض النزول مع نعش زوجته الى القبر – لأنه ببساطة لا يريد أن يموت – يحال الى المحكمة متهماً و يحاول " الحاكم " إقناعه للعدول عن رفضه و تمرده ، لكنه يفشل أزاء إصراره و قوة منطقه ، فيلجأ " المدعي العام " الى الحيلة و يقنع " هو " بالنزول الى القبر و يقسم له بأنه سيأتي لإنقاذه بعد يومين لا أكثر ، و بذلك يحفظ للقانون هيبته و يرد عن المحكمة سابقة خطرة ، لكن " المدعي العام " لا يأتي بالطبع و يبقى " هو " في القبر مخدوعاً مغلوباً على أمره .. و بعد حين تدخل " هي " مرافقة لنعش زوجها ..
و في الظلمة يلتقي " هو و هي " لا يرى أحدهما الآخر ، و يبدأ عالم جديد ، عالم تضطرب فيه الأفكار و تصطرع الرغبات .. رغبتها بالموت الذي إختارته مع فقيدها و رغبته في الإفلات من القبر والعودة الى الحياة التي أُستلبت منه بالخديعة .
فمن سينتصر في النهاية ؟
قوة الحياة النابضة في جسده أم قوة الموت الذي أرخى سدوله على الجميع ؟
هذه بإختصار حكاية المسرحية .
إعتمد الصائغ " الليلة الثالثة و الرابعة الخمسون بعد الخمسمائة من ألف ليلة و ليلة – و حسناً فعل في نشره لنصيهما في مقدمة المسرحية " أساساً لبناء مسرحيته ، لكنه لم يأخذ منهما غير الحبكة و مطلع الحكاية ، أما الموضوع فهو الذي أرسى أركانه و وضع أتجاهاته و حدد أبعاده .(8)

ما البطولة ؟

في مشهد من المسرحية يقف المدعي العام مفتخراً بقانون مدينته شاتماً ذلك المواطن الأحمق الذي لا يعرف أي معنى للبطولة صارخاً به : ( المدعي : ستكون – بموته طبعا !- أمام الجميع بطلاً .. و تعامل معاملة الأبطال .. سيعزفون لك و ينشدون .. ويكللون هامتك بالزهور .. و يتطلعون اليك بحسد و حسرة .. ستتمنى كل فتاة لو أن لها حبيب مثلك .. و سيكون أسمك على كل الأفواه و صورتك في جميع الأذهان ..
هو : و ماذا بعد ؟ ماذا بعد ؟ أموت ؟! )
و في كل مشهد من المسرحية يثير الصائغ إهتمام القاريء و يجتذبه الى ما ليس متوقعاً ، واضعاً بذلك قاعدة أساسية لبناء الكيان الدرامي ، فهو يخلق التوقع دون أن يحققه تمام التحقق إلا عند إسدال الستار الأخير و يدفع بشخصياته للإقتراب من أهدافها رويداً رويداً دون أن يوصلها اليها بإختلاق الصدفة أو بالإستعانة بالقوى القدرية ، إنما يتركها تتفاعل فيما بينها و مع الأحداث لتنمو نمواً طبيعياً نابعاً من صدق مشاعرها .
و ماكان يتاح لها صدق في التعبير عن مشاعرها كي يظهر سلوكها تلقائياً ، لولا براعة "الصائغ" و حذقه في إختيار مكان الأحداث و مناخه و طبيعة المواجهة القاسية التي أوقع شخصياته في شراكها ، فهو يضع بطل مسرحيته في مواجهة أعظم الحقائق و أكثرها إثارة ، إنه يسأله إختيار الموت بإسم الحب !!
فمن ذا الذي لا يستفزه هذا السؤال ؟!
يقول أريك بنتلي في كتابه ( الحياة في الدراما ) : ( إن خلق التوقع لا يأتي في العادة لجهلنا بما سيحدث بعد قليل ، إنما لرغبتنا في معرفته أيضاً ، و هي رغبة بالطبع أثارها منبه سابق .. )
لقد أتاح لنا الصائغ أن نرى أذهان شخصيات المسرحية و نقرأ أفكارها عن طريق الأحداث ، و أتاح لها أن تشي بأنماط سلوكياتها و تحدد أبعادها بنفسها ، فلم يقع في الخطأ الذي وقع فيه كثير من مؤلفي الدراما غير المحترفين الذين يعتقدون أن المؤلف يستطيع أن يشخص شخصاً آخر في المسرحية عن طريق الحديث عنه من قبل أناس آخرين .
" الباب " مسرحية حافلة بالتنوع و الإثارة و العمق، وضع لها الصائغ منظراً مثيراً، و نثر فيها أفعالاً محتدمة و وهب شخصياتها وجداناً ملتهباً وأدار بينها حواراً شاعرياً موحياً .
و في ختام المسرحية يقف المتفرج متسائلاً ، الى أين سيؤول مصير بطليها ؟
هل سيخرجان من القبر ؟
أم سينتهيان الى الموت كمن سبقهما ؟
و ليس هذا بالمهم على أية حال ، فما دام الحب جمع بين الرجل و المرأة إذن لابد للحياة أن تنتصر على الموت و هي في عقر داره \ المقبرة .
و في لحظة النهاية حيث تختزل جميع الحالات ثم تختلط فلا يتبين أي لون فيها أكثر ألقاً ، لون الحياة أم لون الموت ، أم لون الولادة .. و في هذه اللحظة التي لا يعرف كنهها ، هل هي لحظة وعي فاصلة أم أنها لحظة حلم من أحلام اليقظة .. حيث لا نرى غير الوجوه التي تفصدت عرقا و لا نسمع غير أنفاس أبطالنا اللآهثة .
في هذه اللحظة ، من ذا الذي سيأخذ بيد الإنسان من عبث المغالاة و المكابرة الخاوية الى نور العقل ؟
من سيضيء طريق الخلاص ؟
في هذه اللحظة نكتشف أن حتى المقبرة على عظمة ما توحي به من فناء و إنتهاء ، فهي ليست لديها القدرة على إقناع الإنسان بالموت ، بل أنها تدفعه للتشبث بالحياة أكثر .
إذن هل ثمة فعل أقوى و أبلغ من إجتماع رجل و إمراة في جبّ لدفن الموتى ؟!
قبل إسدال الستار الأخير للمسرحية يهمس الرجل :
( هو : يا حبيبتي ..
هي : أجل .. أجل .. لا تكف عن ذلك ، أهمس لي و أنا أعانقك ... ألا يشبه هذا إننا نموت ؟!
هو : بل يشبه أن نلد .. يشبه أن نولد .. تعالي ..
هي : ها أنا ذي – تصرخ – الله ... الله ما أجمل الحياة .)(9)

السياسة محرقة الشعراء
لقد كان " يوسف الصائغ " ضحية " البعث " في إنقلابه الأول عام 1963، فهو من الجيل الذي قضى ردحاً في السجون، وتلك الأحداث لاتغيب عن كتاباته، حتى وهو في عزّ تملقه لسلطة " صدام "، ولم يكف عن إستذكارها في مؤلفاته التي ظهرت في كل مراحل عمره. وعندما أُعتقل آخر مرة نهاية السبعينيات كان قد تعب من المهانة والإذلال الجسدي والروحي، وبعد أن خطفوا حبيبته وقتلوها تحت التعذيب، إستسلم في خطوة دراماتيكية تليق بأدواره التي يهواها. إنتهى " يوسف " الى مصير عاش فيه على قلق رغم إمتيازات المناصب والثروة والنساء اللواتي أحطن به ، فقد أرادوه عِبرة لكل كاتب، وهذا جهل ب " يوسف " الذي يحمل قلب طفل متشرد إرتكب أخطاء فخاف من نفسه، خاف من مرآته...

" تخونيني .. أم أخونكِ
تلك هي المسألة ..
نموتُ على المشنقة ..
ونتهم المقصلة ..
ونكتشف الزنبقة ،
في القرار من المزبلة .. تلك هي المهزلة َ ..." (10)
يوسف كان قد عرف أنه وصل الى خاتمة لاتليق به، فإختفى ، مات من الخجل حسبما نشر في سنواته الأخيرة:
"لاترحموا عزيز قوم ذل لاتعتبوا على البطليكفيه أنه رأى الذي رآه ولم يمت من الخجل..."
ستمحى كل التواريخ ويبقى يوسف الصائغ الذي لم يكتمل مشروعه الأدبي، ولكنه ترك أثراً لايمحى في تاريخ الثقافة العراقية، كظاهرة سياسية، وكإبداع متحرك جدير بإعادة القراءة والتأمل.. خسره الأدب العراقي، فلطالما إنشغل عنه بمعارك دون كيشوتية، بيد أن ما بجعبته يحفظ في قلب قارئه الكثير من المحبة والإعجاب.(11)
من أعمال الصائغ الشعرية و المسرحية
1. قصائد غير صالحة للنشر ( مجموعة شعرية مشتركة ) 1957م .
2. رواية اللعبة فازت بجائزة أحسن رواية عراقية ، 1970م .
3. السودان ثورة وشهداء - قصيدة نثر سياسية - 1970م .
4. انتظريني عند تخوم البحر ـ مجموعة شعرية ـ 1970م .
5. السيرة الذاتية - الاعتراف الأخير لمالك بن الريب - ج – الأول 1971 والثاني ،ج - الثالث غير مطبوع .
6. رواية المسافة ، اتحاد الكتاب العرب - دمشق ، 1974م .
7. سيدة التفاحات الأربع ـ مجموعة شعرية ـ 1976م .
8. الشعر الحر في العراق - أطروحة ماجستير- 1976م .
9. اعترافات ـ مجموعة شعرية ـ 1978م .
10. مسرحية الباب ، فازت بجائزة أحسن نص مسرحي في مهرجان قرطاج ،1987
11. المعلم ـ مجموعة شعرية ـ 1987م . تم الإستفادة من قصائدها في عمل مسرحي بعنوان (الذي ظل في هذيانه يقظاً ) للمخرج غانم حميد عام 1992
12. مسرحية العودة ، 1988
13. مسرحية ديزدمونه ، فازت بجائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج ،1989
14. قصائد ، المجموعة الشعرية الكاملة ، دار الشؤون الثقافية العامة ، 1992
15. رواية السرداب رقم 2 ،1997 م .
16. قصة قصيرة غير مطبوعة .
17. مذكرات - مخطوطة - .
18. مسرحية أخري - مخطوطة - ورواية - مخطوطة .
19. يوسف اعرض عن هذا - مجموعة شعرية غير مطبوعة .
20. مسرحية البديل - مخطوطة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من قصيدة للشاعر
(2) فاطمة المحسن- جريدة المدى – بغداد – 2005
(3) قصيدة للشاعر
(4) حوار غير منشور مع يوسف الصائغ\ فاتن عبد الجبار \28 حزيران 2006 – جريدة ايلاف الألكترونية.
(5) الحوار أعلاه.
(6) الحوار أعلاه .
(7) الحوار أعلاه.
(8)مقالة لأحمد الصالح - مجلة آفاق عربية \ بغداد –العدد السادس – حزيران 1986
(9) المقالة أعلاه.
(10) من قصيدة للشاعر
(11)
في وداع يوسف الصائغ \ الحيــــاة وســــط إشكاليـــــة الشعــر- فاطمة المحسن – جريدة المدى- بغداد 2005
ahmad_alsaleh58@yahoo.com

No comments: